وتمَّ إفقار العربية

وقت القراءة: 2:30 دقيقة

 

استخدام الفعل "تمَّ" جريمة لغوية، إلا أقل القليل.
 وبالانتقال من التوصيف إلى التشخيص، يكشف هذا الاستخدام عن فقر بالعربية فاضح، أو عن كسل فادح. لماذا؟ 
 بل إني أجرؤ أن أقول إن ترويج استخدامه، حتى لو لم يكن ممارسة مقصودة لذاتها، يمثل خطراً كبيراً على اللغة العربية. 
 فعلٌ مثل "تم" خطر على العربية؟ يا رجل!

المتهم الأول في مصيبة "تم" هو الترجمة والمترجمون بلا شك. 

 الإنجليزية لغة مغرمة بالمبني للمجهول، والعرب ثقافتهم مترجمة، وفكرهم مترجم، وكل ما فيهم مترجم هذه الأيام. بالمختصر، حياتهم مترجمة. وأغلبه ترجمة رديئة. و"تم" تحل أكبر مشكلة في الترجمة.

فإذا ما صادف المترجم عبارة مثل: Arabic has been impoverished ترجمها ’تم إفقار العربية‘، دون وجع رأس.

ولابتعاد العرب عن لغتهم، فنادراً ما يفطنون إلى أن لغتهم لغة مشكلة (بتشديد الكاف، من التشكيل لا من الإشكال). من هنا، إذا لم "يتم" تفادي (تتفادَ) هذا التشكيل المرهق لأبناء العربية هذه الأيام، وترجمتَ الجملة السابقة على النحو التالي: ’أُفْقِرَتِ العربية‘، فسوف تثقل على نفسك (إذا شكلت) وتثقل على القارئ (إذا لم تشكل) (وكله بتشديد الكاف).

في الإنجليزية، الأمر مختلف، وذلك بحث آخر.

انتقلت هذه الممارسة من الترجمة عبر أقنية الصحافة والإعلام المسموع والمرئي والرقمي والاجتماعي، وهذا هو المتهم الثاني، إلى الكتابة العربية الحديثة. فترى مقالاً لصحفي لامع مكتوباً بالعربية لغة أصلاً ومع ذلك حافل بعشرات "التمّات" التي لا داعي لها.

الرواية والشعر لم يسلما من إعصار "تم".

يدل انتشار "التمات" في الكتابة العربية على فقر فاضح بالعربية، وأعلم أني قلت هذا من قبل. لا بأس من التكرار.

يكشف هذا الاستخدام، ضمن أمور كثيرة، عن جهل الكاتب بما يسمى "المصاحبات اللغوية"، وهذه المصاحبة المعنية هنا هي بين الفعل والاسم أو المصدر.

خذ هذا المثال: جملة مكتوبة بالعربية أصلاً (لا ترجمة ولا يترجمون): ’تمت إهانته‘. أي ركاكة بعد هذه؟

فأين ذلك الفقر الذي تحدثني عنه؟ الفقر في عدم معرفة الكاتب أن الجملة يمكن كتابتها هكذا: "تعرض للإهانة". أو ’لاقى الإهانة‘، لأن لاقى أو تعرض وإهانة يتصاحبان. هذا إن كان يأنف من فعل "أهين" الموجز الجميل المعبر أو الجملة/الفعل (إن كان سمع به).

فأين المصيبة؟ 

 المصيبة في أن أفعالاً مثل "تعرض" و "لاقى" وصيغة مثل "المبني للمجهول" ستنقرض بعد حين، وكذلك بقية الضحايا من الأفعال والتراكيب الجميلة، كله بسبب هذه "التم" السخيفة.
 والدليل؟

أعط مترجماً هذه الجملة ’he was insulted‘ وانظر كيف سيترجمها. "تمت إهانته"، عجيب. وما المشكلة في "أهين" (لأنها تحتاج تشكيلاً) أو "تعرض للإهانة" (لأن المترجم اعتاد أن ينام ويصحو على "تم").

أرأيت كيف أنك استغنيت عن صيغة المبني للمجهول بالعربية وعن فعل من أفعالها؟ لكن على أي حال، العربية تحب المبني للمعلوم. وضوح وصدق وصراحة. فكيف ذلك؟ صبرك.

من ناحية أخرى، في استخدام الصيغة الركيكة "تم" في العربية طمس للفاعل. وهذا ما يتناسب مع ذهنية "إفلات المخطئ من العقاب" في حال كان الفعل سيئاً، وحرمان الفاعل من الحمد أو الشهرة إن كان الفعل محموداً، لو من قبيل الحسد أقله. وذلك بحث آخر ...آخر.

بالعودة لجملة العنوان، ثمت اتساع في هذه اللغة لا يكاد يحيط به محيط. ويمكن أن تخرج من هذا المأزق (ولا أراه كذلك)، إذا ما خرجت إلى الصيغة المبنية للمعلوم: كأن تقول "أفقر العربية أبناؤها" أو "افتقرت العربية" أو "أصبحت العربية فقيرة". 

 ما أثرى هذه اللغة وأسلسها وأطوعها.

إن هذه الصيغة ’تم + اسم/مصدر‘تكاد تودي بالعربية مهاوي الردى.

 لسائل أن يسأل: ’أليس المبني للمجهول موجوداً في العربية؟"، و"أليست ’تم‘ تذيل كل الكتب والرسائل القديمة في عبارة ’تم بحمد الله‘ وسواها؟".

الجواب بلى على السؤالين كليهما. لكن تمّ المنشور (هذا هو الاستخدام البريء الذي وصفته "أقل القليل"). 

لكن أعط الجملة التالية لمترجم: The post has been completed، وانظر كيف سيترجمها. 
 تم إتمام المنشور.